........................ ........................:
الطريق نحو السلام
تقرير خاص :
عتمة برس
19رمضان 1444هـ
تجاوز العثرات والمعوقات السياسية والشاخصة المثقلة بحسابات القوى الخارجية والاقليمية الكبرى تجبرهم اليوم للجلوس على طاولة الحوار، لمحكاة السلام وضبط ايقاع الأحداث في مسارات العملية السياسية والتغيير المنشود في سياق تنفيذ مهام المرحلة القادمة، ولجم الصراعات المفتعلة والتصعيدات السياسية والإعلامية، واحتواء تداعياتها وتطوراتها هو ما يجعل اليوم تسارع الجهود المحلية والإقليمية والدولية بالدفع بالعملية السياسية في اليمن نحو طاولة الحوار لتخطي مفاعيل العراقيل المعطلة للاتفاقات التي لا تملك حتى مؤشرات واقعية أو منطقية سوى استمرار الحرب، التي تزداد مخاطرها مع مرور الزمن، إذ أن التنصل عن الاتفاقات والهروب منها للأمام، ليس في صالح العدوان، وفي هذا الصدد كانت تحذيرات صنعاء واضحة إما السلام، وإما أن تتخذ صنعاء قرارهاالأخير باستخدام أسلحة الردع الاستراتيجية الحديثة والمسيرات، لاستهداف المصالح والمنشآت الاقتصادية الكبرى ومناطق الاستثمارات الحساسة، إذ أن صنعاء لن تقبل أبدا باستمرار الحصار، وحالة اللاسلم واللاحرب، فضلا عن استمرار التلكؤ والمماطلة، والتحايل على الشعب اليمني في استحقاقاته الإنسانية. على أن مستقبل الحوار اليوم ومساراته ونتائجه وأهدافه الحقيقية الذي يتوخى منه وضع نهاية للحرب، بعد ثمانية أعوام من الهزائم المتراكمة لقوى التحالف السعودي الإماراتي.
اليوم تستبق الإمارات لفلفة جحافلها بمغادرة الأراضي اليمنية، واليمن بلد معروف تاريخيا بأنها لا تقبل الغزاة والغرباء والمحتلين، التي هزمت على أراضيها كبرى الإمبراطوريات العالمية، وهذا ما يحدث حالياً. مع أن الإمارات ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن سحب لقواتها من اليمن، إلا أن الإعلان هذه المرة جاء في ظل ظروف وتطورات محلية ودولية مختلفة.
يوم أمس الأول، أكدت مصادر عدة أن الإمارات أبلغت صنعاء اعتزامها سحب لقواتها من شبوة وحضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية، بعد ثمان سنين من العبث.. قرار أبوظبي بالانسحاب جاء بالتزامن مع حراك إقليمي ودولي غير مسبوق، لإنهاء الحرب في اليمن، على إثر وساطة عمانية بين السعودية وأنصار الله انتهت باتفاق سيتم الإعلان عن تفاصيله قريبا.. وبعيدا عن تأثر القرار الإماراتي بالمستجدات المحلية والإقليمية من عدمه، يثار سؤال حول جديتها في الانسحاب هذه المرة، وأيضا رفعها ليدها عن الملف اليمني على كافة المستويات، لا سميا مع تسارع الأحداث والمفاوضات بين حكومة صنعاء والمملكة العربية السعودية، وجدت الإمارات نفسها وكأنها في معزل عن هذا، فاستبقت الأحداث بالانسحاب..وإن كانت الإمارات قد قامت بذلك فعلا ـ إلا أن نفوذها الحقيقي في اليمن كان من خلال أدواتها المحلية التي تتحرك وفقا لمشاريع ومصالح أبوظبي. غير أن الأسباب التي أجبرتها على إنهاء وجودها المباشر في اليمني، ستجبرها على إنهاء وجودها من خلال الوكلاء، على اعتبار أنها أضعف من مجابهة أي رد رادع يمس اقتصادها، أو يؤثر عليه. أما الدور الذي لعبته خلال المرحلة الماضية، فقد سمحت بها ظروف غير طبيعية.
وأيا كانت الدوافع وراء قرار الإمارات الأخير، يبقى الانسحاب جزء من انتصار صمود صنعاء، تماما كلجوء الأطراف الأخرى إلى خيار التفاوض من أجل إحلال السلام في اليمن، بعدما كان الحديث عن الحسم العسكري هو المسيطر على لغة تلك الأطراف خلال الأعوام الماضية.
وعلى الأرجح، لا تبدو خطوة الانسحاب على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلى حكومة صنعاء، لأن أمر الإمارات ليس صعبا، لكن الخطوة مؤشر هام على جدية الترتيبات القادمة.
وبما أن نتائج الحرب واضحة للعيان، فإنه من الواضح أن صنعاء حققت النصر، وتستعد اليوم لجني ثمار هذا النصر.
وقد أشارت تسريبات وتقارير دولية أن هناك تقدماً كبيراً في المفاوضات بين السعودية وصنعاء في سلطنة عُمان، وأن السعودية على وشك التوقيع على اتفاق لتمديد الهدنة مقابل تسليم المرتبات وتوحيد العملة المحلية، ورفع الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء بشكل كامل وغيرها الملفات. وسوف يعقب هذا الإعلان الرسمي عن نهاية الحرب والحصار.
الاتفاق يأتي ضمن تسليم سعودي بكافة شروط ومطالب صنعاء، مما يعتبر اعترافاً سعودياً ضمنياً بنجاح صنعاء في المواجهة المفتوحة التي دخلت عامها التاسع، وبهذا تصبح صنعاء منتصراً وهي من تحدد شروط وطبيعة المرحلة القادمة في كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر يصل العاصمة صنعاء على رأس وفد سعودي عقب وصول الوفد العماني وذلك في إطار جولة مباحثات مع حكومة صنعاء بشأن اتفاق الهدنة وتنفيذ بنودها والتي من أبرزها صرف رواتب موظفي الدولة دون إستثناء وفتح المطارات والموانئ اليمنية بالكامل وغير ذلك من الملفات.
سيؤدي الإعلان عن الاتفاق المتوقع في الأيام القادمة إلى مغادرة جميع القوات الأجنبية من اليمن، بما في ذلك القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية، وإنهاء تواجد أي قوات أجنبية، أو عربية بشكل كامل. وسيكون لهذا تداعيات عكسية على جميع القوى الدولية المشاركة في التحالف، مما يعني أن صنعاء تحقق نجاحًا كبيرًا في طرد القوات الاجنبية من أراضيها. وقد دلت المستجدات الأخيرة في اليمن على عجز التحالف وخضوعه لمطالب صنعاء، ويدفع بالرياض لأن تضطر في نهاية المطاف إلى إرسال مسؤوليها المفوضين من الديوان الملكي للقيام بزيارات غير معلنة لصنعاء لبحث تنفيذ شروط الأخيرة.
أما بخصوص مستقبل فصائل التحالف، فقد تم حسم الأمر بالفعل في وقت مبكر بعد إجراء السعودية مفاوضات مع صنعاء بشكل منفصل عن لقاءتها مع الفصائل التابعة لها، فقبل عدة أيام، استدعت السعودية جميع أعضاء المجلس الرئاسي إلى الرياض لجلسة “عشاء ملكي”، تم خلالها التصديق على الاتفاق الجاهز، الذي لم يشارك المجلس في إعداده، ولا يملك أعضاؤه أي معلومات حوله، سوى ما يتم تلقيه من السعودية. هذا المشهد يلخص بوضوح مستقبل الرئاسي وحكومة معين وفصائلهما بطريقة تشير إلى نهاية فترة زمنية وليست مستقبلًا باعثًا على التفاؤل.
خلاصة القول إن إعلان السعودية المرتقب بإنهاء عدوان التحالف في اليمن سيعتبر إعلانًا رسميًا للبراءة من أدواتها المحلية، وبالتالي يجب على هذه الأدوات اتباع ما تمليه السعودي عليها كونها كانت مجرد أدوات وظيفية، ولا يوجد مجال لأي محاولات لتقويض الجهود السلمية، وهي في الأخير ليست أكثر من أدوات وظيفية تنتهي صلاحيتها بانتهاء المشغل لها.