عبدالباري عطوان:
لهذه الأسباب ستُهزم أمريكا وبريطانيا في اليمن.. وتهمة الإرهاب لـ”انصار الله” ستعطي نتائج عكسية.. لماذا لن ينام السيد عبد الملك الحوثي الليل “كمدا” لمنعه من دخول أمريكا؟
نجحت “إسرائيل” في استغلال علاقاتها المتميزة القديمة المتجددة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وازدادت قوة عبر بعض الشخصيات الصهيونية الموالية لها مثل انتوني بلينكن وزير الخارجية، وعاموس هوكشتاين مستشار الرئيس لشؤون الطاقة، لتوريط الولايات المتحدة في خوض حروبها الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في قطاع غزة، والعراق، واليمن، الأمر الذي سيؤدي حتما الى إستنزافها سياسيا وماليا وعسكريا، وتآكل قيادتها ليس للعالم فقط، وانما للعالم الغربي الذي تربعت على عرشه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
اذا أخدنا اليمن الجبهة الأحدث التي فتحتها أمريكا في الشرق الأوسط بشكل مباشر، لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وبحر العرب، حيث تمر معظم صادرات دولة الاحتلال الى القارة الأسيوية، فانه يمكن القول دون تردد بأن امريكا أقدمت على ارتكاب خطأ استراتيجي أدى الى وقوعها في حفرة عميقة بلا قاع، واستعدت شعبا لم يهزم في التاريخ، وانتصر على الكثير من الامبراطوريات العظمى، وعلى رأسها الإمبراطورية البريطانية التي يحتل ورثتها الآن المرتبة الثانية في تحالف “ازدهار البحر الأحمر” الذي يبدو فاشلا من إسمه، فجميع الاحلاف التي شكلتها وقادتها أمريكا في منطقة الشرق الأوسط وحروبها، لم تقد الى الازدهار وانما الى الهزائم والدمار.
السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس بايدن في اليمن تقوم على عدة اركان، ولتحقيق عدة اهداف، الى جانب الهدف الاساسي وهو إعادة فتح البحر الأحمر امام السفن الإسرائيلية:
الأول: محاولة زعزعة أمن واستقرار حكومة صنعاء بقيادة حركة “انصار الله” الحوثية من خلال حصارها، وقصف بناها العسكرية بالصواريخ والمسيّرات.
الثاني: إعادة وضع هذه الحكومة على قائمة الإرهاب لفرض عزلة دولية عليها وقيادتها السياسية والعقائدية.
الثالث: منع توسيع الحرب في منطقة الشرق الأوسط على أرضية حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة انطلاقا من باب المندب وبحر العرب.
هذه السياسة محكوم عليها بالفشل من الوهلة الأولى، وستعطي نتائج عكسية سلبية على واضعيها وقيادتها الامريكية على وجه الخصوص، لانها ستواجه بمقاومة شرسة من اليمنيين الذين يملكون إرثا تاريخيا مشرفا وعميقا في هزيمة الغزاة.
إسرائيل التي جرت الادارة الامريكية الى هذه المصيدة اليمنية مفتوحة العينين، ومغيبة الوعي، لم تجرؤ مطلقا على إطلاق صاروخ واحد على اليمن، لانها تعرف جيدا النتائج المترتبة على ذلك، وأوكلت المهمة وجيرتها الى أمريكا وبريطانيا، والأخطر من ذلك اقدامها على احداث انقسام غير مسبوق في العالم الغربي يحدث للمرة الأولى منذ 80 عاما.
نشرح اكثر ونقول، ان الولايات المتحدة لم تواجه بأي صعوبة في حشد 36 دولة لشن حرب على العراق واحتلاله، ونجحت في حشد 65 دولة لإطاحة نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، واكثر من 75 دولة (مجموعة أصدقاء سورية)، ومئات المليارات من الدولارات لغزو سورية وتفكيكها واسقاط نظامها، ولكنها لم تنجح الا في حشد 10 دول فقط للسيطرة على البحر الأحمر، وإعلان الحرب على اليمن، معظمها انجلوسكسونية (بريطانيا، كندا، استراليا، نيوزيلندا) علاوة على جزيرتين ترفعان اعلام الدول، هما البحرين وسيشل، ولا ننسى كوريا الجنوبية المستعمرة الامريكية، فمعظم الدول الأوروبية العظمى مثل فرنسا واسبانيا وإيطاليا فضلت استخدام “الفيتو” على طلب الانضمام، والبقاء بعيدا عن هذه المقامرة الامريكية الخاسرة مقدما.
الغارات الامريكية البريطانية المشتركة على اهداف عسكرية في اليمن، لن تضعف حركة “انصار الله” وتحالفها، فالولايات المتحدة تنسى ان هذه الحركة خاضت حربا لمدة 8 سنوات بدعم وصواريخ وطائرات واشراف امريكي بريطاني، ولم تهزم مطلقا، وخرجت منها مشروع قوة إقليمية عظمى يتبلور بسرعة.
السيد عبد الملك الحوثي القائد الروحي للحكومة اليمنية، أعلن في خطابه اليوم “ان العدوان الأمريكي البريطاني لن يؤثر على قدراتنا العسكرية، وسننفذ المزيد من الهجمات في البحر الأحمر، وستستهدف عملياتنا السفن الامريكية والبريطانية الى جانب الإسرائيلية”.
كان من أقوى العبارات وأكثرها اقناعا وحجة التي وردت في الخطاب نفسه قوله “اذا كان الأمريكي يعتبر ان عليه ان يأتي من بعد اكثر من 9 آلاف كيلومتر الى منطقتنا، فكيف لا يحق لنا ان نقف مع الشعب الفلسطيني؟ والابادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة تحث أعين ومرأى العالم ومؤسساته من الأمم المتحدة، ومجلس الامن، ومنظمات حقوق الانسان، بل والجامعة العربية وبعض الدول الإسلامية المقصرة”.
الرد الشعبي اليمني سنتعرف عليه اليوم صوتا وصورة عندما يتظاهر الملايين ضد العدوان الأمريكي، ودعما لحكومته ومواقفها، انتصارا لأهل غزة المحاصرين وتشييعا للشهداء الذين سقطوا برصاص الغدر الأمريكي في البحر الأحمر وعلى اليابسة اليمنية.
لا نبالغ عندما نقول ان الادارة الامريكية التي أعمى بصرها اصدقاؤها الصهاينة لا تفهم الشرق الاوسط، ولا تعرف اليمن وبأس شعبه الشديد، وقائمة انتصاراته الطويلة على الامبراطوريات في مختلف العصور، فالتصريحات التي اطلقها امس مسؤول في الخارجية الامريكية وقال فيها ان وضع اليمن على قائمة الإرهاب يعني عدم منح المسؤولين الحوثيين تأشيرات دخول للولايات المتحدة تؤكد هذه الفرضية، أي الجهل، فلا نعتقد ان السيد عبد الملك الحوثي لن ينام الليل حزنا من جراء هذا المنع، لانه سيحرمه من ممارسة هوايته المزمنة من التبضع في أسواق نيويورك ومولاتها التجارية، ويقضي اجازته الشتوية في قصره في ميامي، وهو الذي لم يغادر كهوف صنعاء الا لأداء فريضة الحج او العمرة.
أمريكا تورطت في اليمن، وستعض أصابع الندم، وستترحم على هزائمها في أفغانستان، والعراق، وفيتنام بالمقارنة بما قد تواجهه في اليمن الذي حوّل شعبه الفقر الى عزة، وكرامة، وقوة، ومفخرة.. والأيام بيننا