البعد الاستراتيجي للاتفاقية السعودية الايرانية
عتمة برس
متابعات
2٣ شعبــــــــــان١٤٤٤ هـ
١٥ / مــــــارس /٢٠٢٣م
وصف المحللون السياسيون والمراقبون والمهتمون اتفاقية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض وبرعاية من الصين بمثابة زلزال هز المنطقة والعالم ، وتباينت ردود الأفعال لدى عدد من الدول والكيانات وعلى جه الخصوص ((الصهيو أمريكية)) ومن يدور في فلكها من القوى الاستعمارية .
وحاولت واشنطن على مضض تقبل الصفعة الصينية القوية التي وجهتها بكين إليها من خلال هذه الاتفاقية وحاولت التقليل من أهميتها وأبعادها الاستراتيجية على المستويين الأقليمي والدولي وحصرتها بأنها مفيدة وتخدم وقف الحرب في اليمن وأنها تدعمها .. فيما عبر الكيان الإسرائيلي المؤقت على لسان رئيس وزرائه السابق ((بينيت)) عن قلق تل أبيب من الاتفاقية التي أفشلت بحسب قوله ما يسمى بتكوين حلف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران كان يجري الإعداد له .
انتقال استراتيجي مفتوح
وفي هذا السياق أكد المحلل السياسي الروسي ((الكندر نازاروف)) بأنه لم يعد من الممكن اعتبار مثل هذه الخطوة كغزل من أجل استنفار الغيرة أو التنازلات من الشريك القديم ، فتلك الخطوة هي إعادة توجيه استراتيجي وانتقال مفتوح إلى معسكر آخر .. وتوقع الخبير السياسي الروسي المقرب من دوائر القرار بموسكو بأن واشنطن سوف تكثف من هجماتها على السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ، وستعمل على تشجيع عدم الاستقرار الداخلي في البلاد .
احتمالات التصعيد العسكري
وذهب في تحليله إلى القول بأن التصريحات الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية ليست مجرد كلمات ولم تظهر بالصدفة .. متوقعاً عملا عسكريا أمريكيا ضد إيران في حالة شنه ، وأن الرهانات أصبحت مرتفعة للغاية وأن إمداد الصين بالطاقة أو منع الطاقة عنها يمكن أن يقرر مصير الصراع بين أمريكا والصين ومصير أمريكا نفسها نظراً، لأن وقف عبور النفط والغاز عبر مضيق هرمز لن يضر فحسب ، وإنما هو شريان حياة بالنسبة لواشنطن .. وقال أنه يعتقد بأن هجوم أمريكا وإسرائيل على إيران هو مسألة وقت لا أكثر ، وفي ذات الوقت فإن التحرك الإيراني السعودي المشترك لتطبيع العلاقات خفض من قدرة أمريكا على تحقيق أهدافها وجعل هذه الحرب أقرب إلى حد كبير ، وأن احتمالات قتال دول الخليج في صف أمريكا يتضاءل مع مرور كل شهر بحسب اعتقاده .
رسالة تهديد واضحة
وعلى ذات الصعيد حركت أمريكا مؤخراً القاذفة الاستراتيجية بي ((52)) مروراً بأجواء فلسطين المحتلة وصولاً إلى المياه الإقليمية الخليجية ترافقها طائرة من طراز إف 16 تابعة للكيان الصهيوني ، وذلك في رسالة تهديد واضحة للصين أولاً ولطهران والرياض في آن واحد ، غير أن الدول الثلاث لم تعير هذه التهديدات أهمية ولم تلتفت إليها باستثناء قيام النظام السعودي باسترضاء واشنطن من خلال عقده صفقة مع شركة ((بوينج)) لاستيراد أسطول من الطائرات المدنية بكلفة تقدر ب 35 مليار دولار .
مصالح مشتركة
إلى ذلك اعتبر بعض المحللين والصحفيين في إيران بأن الاتفاقية تصب في خدمة البلدين وفرضتها مصالح مشتركة ، لكن ذلك لا يعني مطلقاً بأن التسوية باتت في موضع الأمر الواقع ، وأن فترة الشهرين قبل عودة السفارات ستجعل من الواجب خلالهما مراقبة التطورات الإقليمية وغيرها من المواقف الناشئة والمستجدات.
موقف روسي
أما الموقف الرسمي الروسي فقد جاء في تصريح لنائب وزير الخارجية روسيا ((ميخائيل بوغبانوف )) حيث هناء ما وصفهم بالأصدقاء في إيران والسعودية والصين على التوصل إلى اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران .. موضحاً بأن روسيا ساهمت بالعملية السياسية جنباً إلى جنب مع دول أخرى مثل سلطنة عمان والعراق وغيرها بحسب وصفه .. وأشار إلى أهمية تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية التي ستنعكس إيجابا على مجمل أوضاع المنطقة.
قوة دبلوماسية للصين
وفي ذات المسار أكدت مصادر إعلامية متطابقة أن الصين بهذا الاتفاق قد بلغت قمة القوة الدبلوماسية إلى جانب قوتها الاقتصادية والعسكرية وهو الأمر الذي يجعلها تتطلع إلى أن تلعب دورا فاعلا على المستوى العالمي باعتبارها أصبحت القوة العالمية القادرة على منافسة أمريكا التي ظلت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي تمثل القطب الأوحد للهيمنة على العالم عقب انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي عام 1990م .
خلاصة مختصرة
ونخلص إلى القول بأن اتفاقية عودة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية - السعودية تبقى نتائجها مرهونة بمدى التزام الرياض بتنفيذها على أرض الواقع وبما يخدم مصالح الدولتين الاقتصادية والأمنية وبما ينعكس إيجابا على مصالح الأمة وقضيتها المركزية فلسطين المحتلة ، وبالتالي فإن عملية بلورة الاتفاقية عملياً وبشفافية سيحقق نجاحات ليست فقط على مستوى المنطقة ، بل على المستوى العالمي وبما يمكن الأمة من استعادة مجدها الاسلامي العظيم .. ولكن قبل هذا وذاك يبقى التأكيد بأن سيادة ووحدة واستقلال الجمهورية اليمنية وإعادة إعمارها ودفع التعويضات وجبر الضرر هي خيار استراتيجي لشعبنا اليمني العظيم الذي ينشد السلام العادل والمشرف ، والذي سيكون دوره مفصلي ومحوري في المستقبل الإقليمي بالمنطقة ، وهذا يقتضي الرحيل الفوري لقوى الاحتلال من اليمن ووقف التدخلات الخارجية بشكل كامل .. وما النصر إلا من عند الله .