هل يُعجل إتفاق الرياض مع طهران من إستكمال مفاوضاتها مع صنعاء أم يُعطلها؟
عتمة برس
/متابعات
16 مارس 2023م
يُعد إتفاق إستئناف العلاقات بين السعودية وإيران كقوتين إقليميتين بوساطة صينية مؤشراً على تنامي دور بكين في عملية إعادة تشكيل النظام الدولي وتفاعلاته على حساب الهيمنة الأمريكية،حيث تُسطر الصين مرحلة جديدة في سياستها الخارجية تتجاوز الصورة النمطية المعروفة عنها لتنتقل إلى ممارسة حضور دولي ديناميكي على المستوى السياسي لايقل عن الحضور الإقتصادي، لذا فهذا الإتفاق الذي أثار حساسية كبيرة وقلق لدى الولايات المتحدة بسبب وساطة بكين وتوقيته المزعج لواشنطن يُعد نجاحاً دولياً لافتاً للصين، وإن كان إستكمالاً لجهود الوساطة العراقية-العُمانية ،كما أن هذا الإتفاق يُعد نجاحاً سعودياً –إيرانياً على المستوى العربي والإسلامي، حيث أظهرت المواقف الإقليمية والدولية إجماعاً يُرحب ويدعم عودة العلاقات بين الرياض وطهران، بإستثناء ثلاثة مواقف متقاربة جمعت الولايات المتحدة وكيان العدو، وما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي جنوب اليمن، وهي مواقف مشتركة في تعبيرها عن الإحباط والتشكيك في الإتفاق كونه لايخدم مصالحها وإن إختلفت.
وفيما يخص ملف اليمن فالإتفاق السعودي-الإيراني وإن كان خطوة متقدمة تباركها صنعاء، إلا أنه ليس بالضرورة يقود إلى حتمية الإتفاق بين صنعاء والرياض، ومع ذلك هناك تطلع إلى أن يُلقي هذا الإتفاق بظلاله على اليمن،ويُسهم في إنهاء العدوان والحصار ،وسرعة إستكمال المفاوضات القائمة بين صنعاء والرياض، وتوصل الطرفين لإتفاق يُمكن إعلانه من مسقط أو موسكو أو حتى مكة المكرمة .
المتتبع للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة يُدرك جيداً كيف ظلت الولايات المتحدة تؤكد على عدم وجود أي أدلة على تدخل إيران في اليمن، إلى أن شُن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م، حيث غيرت واشنطن موقفها وكرست جهودها السياسية، وآلتها الإعلامية الضخمة بالتعاون مع حلفائها لخلق فزاعة إيران ، وضرورة وقف ما سُمي بالمد الفارسي في اليمن كأحد الأهداف الرئيسية لتحالف العدوان، إلا أن الرياض اليوم أثبتت عملياً زيف أهدافها ومزاعمها من وراء قيادتها لتحالف العدوان على اليمن،فبإزاحتها للرئيس عبدربه منصور هادي، وتشكيلها ما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي أسقطت الهدف الرئيسي لتدخلها العسكري وهو إعادة مايُسمى بالشرعية ،كما أسقطت الرياض فزاعة التدخل الإيراني في اليمن من خلال إتفاق إستئناف علاقاتها مع طهران التي رغم تشكيك البعض في صدق وجدية نواياها كانت سباقة في طرح المبادرات وإبداء رغباتها بالتقارب والتصالح بما يُحقق السلام والأمن والإستقرار في المنطقة و دولها التي يجمعها المصير الواحد،والعدو المشترك.
تشهد السعودية مرحلة جديدة من التحول في سياستها الخارجية ،ومن ملامح ذلك التحول التوجه نحو التحرر من أحد أهم المبادئ الأساسية في سياستها الخارجية منذ تأسيس المملكة وهو الحفاظ على قربها من الولايات المتحدة وتحالفها الإستراتيجي معها، والإنتقال إلى سياسات أكثر تنوعاً وإنفتاحاً بما يُحقق مصالحها الوطنية،ويُعالج مخاوفها وهواجسها لاسيما الأمنية،وفي هذا الإطار قررت الرياض التوجه للتفاوض مع صنعاء على إعتبار أن الحوار معها من شأنه معالجة جزء من مخاوفها الأمنية ،ويؤمن حدودها الجنوبية، فيما يرتبط معالجة الجزء الأخر من تلك المخاوف والهواجس بالحوار مع طهران، وهو ما تم مؤخراً وأسفر عن عودة العلاقات بين البلدين.
إنطلاقاً من مصالحها ومخاوفها، وبناءاً على إتفاقها مع طهران على الرياض المضي بجدية أكثر لإستكمال مفاوضاتها القائمة مع صنعاء ،لأن أي تفكير سعودي بأن عودة علاقتها مع إيران من شأنه خلط الأوراق، و إضعاف موقف صنعاء التفاوضي أو حتى التأثير عليه سيكون خطأ إستراتيجي ولن يُضعف علاقات صنعاء بطهران كونها قائمة على المبادئ والقيم المشتركة ثم المصالح ،بل ستتحمل الرياض العواقب ، لاسيما وأن موقف صنعاء على لسان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي هو إعطاء فرصة كافية لجهود الوساطة العُمانية للتوصل إلى إتفاق، ولايعني ذلك إستجداء السلام، وتصريحات صنعاء تؤكد أن صبرها لن يطول ، وقد تُضطر إلى إستئناف المعركة من جديد داخل العمق الحيوي للسعودية لطمئنة الرياض إن جاز التعبير بأن “قرار صنعاء في صنعاء”، والتأكيد مجدداً على حقيقة العلاقات المتكافئة بين صنعاء وطهران، والإرادة المستقلة لدى كل طرف.
في إطار إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية والخارجية تُدرك المملكة أن معالجتها لملفاتها الشائكة وفي مقدمتها رغبتها في الخروج من مأزقها في اليمن، وإنهاء حالة العداء مع إيران من شأنه تكريس جهودها نحو مزيد من تهيئة المناخات لتنفيذ سياسات الإنفتاح والتحول بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الذي يطمح لمكانة إقليمية سعودية أكثر ديناميكية وقبولاً عبر سياسات براغماتية تستفيد من الأخطاء والتجارب .
عتمة برس
/متابعات
16 مارس 2023م
يُعد إتفاق إستئناف العلاقات بين السعودية وإيران كقوتين إقليميتين بوساطة صينية مؤشراً على تنامي دور بكين في عملية إعادة تشكيل النظام الدولي وتفاعلاته على حساب الهيمنة الأمريكية،حيث تُسطر الصين مرحلة جديدة في سياستها الخارجية تتجاوز الصورة النمطية المعروفة عنها لتنتقل إلى ممارسة حضور دولي ديناميكي على المستوى السياسي لايقل عن الحضور الإقتصادي، لذا فهذا الإتفاق الذي أثار حساسية كبيرة وقلق لدى الولايات المتحدة بسبب وساطة بكين وتوقيته المزعج لواشنطن يُعد نجاحاً دولياً لافتاً للصين، وإن كان إستكمالاً لجهود الوساطة العراقية-العُمانية ،كما أن هذا الإتفاق يُعد نجاحاً سعودياً –إيرانياً على المستوى العربي والإسلامي، حيث أظهرت المواقف الإقليمية والدولية إجماعاً يُرحب ويدعم عودة العلاقات بين الرياض وطهران، بإستثناء ثلاثة مواقف متقاربة جمعت الولايات المتحدة وكيان العدو، وما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي جنوب اليمن، وهي مواقف مشتركة في تعبيرها عن الإحباط والتشكيك في الإتفاق كونه لايخدم مصالحها وإن إختلفت.
وفيما يخص ملف اليمن فالإتفاق السعودي-الإيراني وإن كان خطوة متقدمة تباركها صنعاء، إلا أنه ليس بالضرورة يقود إلى حتمية الإتفاق بين صنعاء والرياض، ومع ذلك هناك تطلع إلى أن يُلقي هذا الإتفاق بظلاله على اليمن،ويُسهم في إنهاء العدوان والحصار ،وسرعة إستكمال المفاوضات القائمة بين صنعاء والرياض، وتوصل الطرفين لإتفاق يُمكن إعلانه من مسقط أو موسكو أو حتى مكة المكرمة .
المتتبع للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة يُدرك جيداً كيف ظلت الولايات المتحدة تؤكد على عدم وجود أي أدلة على تدخل إيران في اليمن، إلى أن شُن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م، حيث غيرت واشنطن موقفها وكرست جهودها السياسية، وآلتها الإعلامية الضخمة بالتعاون مع حلفائها لخلق فزاعة إيران ، وضرورة وقف ما سُمي بالمد الفارسي في اليمن كأحد الأهداف الرئيسية لتحالف العدوان، إلا أن الرياض اليوم أثبتت عملياً زيف أهدافها ومزاعمها من وراء قيادتها لتحالف العدوان على اليمن،فبإزاحتها للرئيس عبدربه منصور هادي، وتشكيلها ما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي أسقطت الهدف الرئيسي لتدخلها العسكري وهو إعادة مايُسمى بالشرعية ،كما أسقطت الرياض فزاعة التدخل الإيراني في اليمن من خلال إتفاق إستئناف علاقاتها مع طهران التي رغم تشكيك البعض في صدق وجدية نواياها كانت سباقة في طرح المبادرات وإبداء رغباتها بالتقارب والتصالح بما يُحقق السلام والأمن والإستقرار في المنطقة و دولها التي يجمعها المصير الواحد،والعدو المشترك.
تشهد السعودية مرحلة جديدة من التحول في سياستها الخارجية ،ومن ملامح ذلك التحول التوجه نحو التحرر من أحد أهم المبادئ الأساسية في سياستها الخارجية منذ تأسيس المملكة وهو الحفاظ على قربها من الولايات المتحدة وتحالفها الإستراتيجي معها، والإنتقال إلى سياسات أكثر تنوعاً وإنفتاحاً بما يُحقق مصالحها الوطنية،ويُعالج مخاوفها وهواجسها لاسيما الأمنية،وفي هذا الإطار قررت الرياض التوجه للتفاوض مع صنعاء على إعتبار أن الحوار معها من شأنه معالجة جزء من مخاوفها الأمنية ،ويؤمن حدودها الجنوبية، فيما يرتبط معالجة الجزء الأخر من تلك المخاوف والهواجس بالحوار مع طهران، وهو ما تم مؤخراً وأسفر عن عودة العلاقات بين البلدين.
إنطلاقاً من مصالحها ومخاوفها، وبناءاً على إتفاقها مع طهران على الرياض المضي بجدية أكثر لإستكمال مفاوضاتها القائمة مع صنعاء ،لأن أي تفكير سعودي بأن عودة علاقتها مع إيران من شأنه خلط الأوراق، و إضعاف موقف صنعاء التفاوضي أو حتى التأثير عليه سيكون خطأ إستراتيجي ولن يُضعف علاقات صنعاء بطهران كونها قائمة على المبادئ والقيم المشتركة ثم المصالح ،بل ستتحمل الرياض العواقب ، لاسيما وأن موقف صنعاء على لسان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي هو إعطاء فرصة كافية لجهود الوساطة العُمانية للتوصل إلى إتفاق، ولايعني ذلك إستجداء السلام، وتصريحات صنعاء تؤكد أن صبرها لن يطول ، وقد تُضطر إلى إستئناف المعركة من جديد داخل العمق الحيوي للسعودية لطمئنة الرياض إن جاز التعبير بأن “قرار صنعاء في صنعاء”، والتأكيد مجدداً على حقيقة العلاقات المتكافئة بين صنعاء وطهران، والإرادة المستقلة لدى كل طرف.
في إطار إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية والخارجية تُدرك المملكة أن معالجتها لملفاتها الشائكة وفي مقدمتها رغبتها في الخروج من مأزقها في اليمن، وإنهاء حالة العداء مع إيران من شأنه تكريس جهودها نحو مزيد من تهيئة المناخات لتنفيذ سياسات الإنفتاح والتحول بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان الذي يطمح لمكانة إقليمية سعودية أكثر ديناميكية وقبولاً عبر سياسات براغماتية تستفيد من الأخطاء والتجارب .