■ الشائعات وآثارها السلبية والخطيرة على استقرار المجتمع
بحث قرآني
عتمة برس_نت
5 شوال 1444
تمهيد.........
الشائعات الكاذبة من أخطر الرذائل التي متى فشت في أمّة من الأمم، اضطربت أحوالها، وضعفت الثقة بين أبنائها، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق.
وإنّ أكثر الناس عُرضةً للشائعات الكاذبة، هم الرسل الكرام، والمصلحون المخلصون، والأتقياء الأصفياء الأخيار، وهذا ثابت منذ فجر الإنسانية، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ما هي الشائعة؟
1- الشائعة في اللغة:
إشاعة: خبرٌ مكذوبٌ غير موثوق فيه وغير مؤكَّد، ينتشر بين النَّاس1. أو خَبَرٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ ذَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ. والإِشاعَةُ: كلّ خبرٍ ينتشر بين الناس غير مثبَتٍ منه. ويطلق الشِّيَاعُ على ما تُشَبُّ به النار من الوقود الخفيف.
2- الشائعة في الاصطلاح:
الشائعة اصطلاحاً تعني الخبر المشاع والمنتشر بين الناس، ويحتمل الصدق أو الكذب3. أو بتعبير آخر هي نشر الأخبار التي ينبغي سترها لشين الناس4. وهي نوع من النبأ الهادف الذي يكون مصدره مَجْهُولاً، وهي سريعة الانتشار، ذات طابع استفزازيّ أو هادئ حسب طبيعة ذلك النبأ.
كيف تتحقّق الإشاعة؟
لقد ابتليت المجتمعات البشرية وعانت الكثير من المصائب والنكبات الرهبية، بسبب بروز ظاهرة اختلاق الإشاعة ونشرها بين الأفراد حيث كانت تؤثّر تأثيراً سلبياً كبيراً على معنويات أفراد المجتمع، وتضعف فيهم الروح الاجتماعية وروح التفاهم والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد. وتبدأ الإشاعة بأن يختلق منافقٌ كذبةً، ثمّ ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء، ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقيق فيها. ومن أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى تحقّق الإشاعة:
1- وجود قضية تدور حولها الإشاعة.
2- صياغة الإشاعة بطريقة متقنة، حتّى يؤدي ذلك إلى اعتقادها.
3- وجود الوسط المساعد لنقل الإشاعة.
4- التركيز على هدف معين دون التشعب إلى جزئيات متعددة.
5- اختيار الزمن المناسب لنشر الإشاعة.
6- اختيار المكان المناسب لبثّ الإشاعة.
7- عدم توثيق مصدر الإشاعة.
8- وجود هدف معين من صياغة الإشاعة.
9- اختيار الأسلوب الهادف لصياغة ونشر الإشاعة على حسب الموضوع، فإذا كان الموضوع يحتاج إلى عبارات هادئة لينة، اختيرت الألفاظ الملائمة التي تتّسم بالسكينة، وإن كان الموضوع يحتاج إلى الاستفزاز والثورة، اختيرت الأساليب المناسبة التي تنضح بالقوة والاشمئزاز.
10- جهل المجتمع الذي تنتشر فيه الإشاعة.
11- انعدام المعلومات والمفاهيم عن الموضوع المُشَاعِ.
فإذا وُجِدَتْ هذه الأمور، فإنّ خطر الشائعة سيسري بين الأفراد والجماعات في جميع المجتمعات الإنسانية، وعلى مختلف الأزمنة، ومختلف الأمكنة.
http://otmahpress.blogspot.com/2023/04/blog-post_260.html
أنواع الشائعات
تختلف أنواع الشائعات وذلك حسب اختلافها في الهدف والزمان، والمصدر، والآثار المترتّبة عليها، وغير ذلك. ونشير إلى أهمّ أنواع هذه الشائعات:
1- شائعات الخوف:
يستهدف هذا النوع من الشائعات إثارة القلق والرعب في نفوس البشر، وتعتبر من أنواع الشائعات المروّعة والمخيفة، فقد تمسّ أَحْدَاثًا كالكوارث، أو أَشْخَاصًا، أو بأمور الحرب والسلّم وغيرها من الأمور. قال تعالى في كتابه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾5. وذكر العلّامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية أنَّ كلمة (النَّاس) وردت مرّتين في الآية, وأنَّ دلالتها في المورد الأوَّل مختلف عنها في الثاني، فالمقصود في موردها الثاني هو العدوّ الذي كان يجمع الجموع، وأمَّا الأوَّل فالنّاس في الآية هم الخاذلون المثبّطون الذين كانوا يقولون ما يقولون ويبثون الشائعات، ليخيفوا المؤمنين فيمنعونهم عن الخروج إلى قتال المشركين6.
2- شائعات الكراهية:
وتهدف إلى زرع بذور العداوة والفتنة والفرقة والبغضاء والحقد وغيرها من العوامل التي تسبّب الكراهية والتباعد بين البشر. كأن تُطْلَقُ شائعة تهدف إلى بذر بذور الفتن بين شعبين كالعرب والفرس، أو بين الطوائف الدينية كالمسلمين والأقباط أو مذهبية كالسنّة والشيعة. والمقصود هو بثّ الكراهية الدينية والتحريض على العنف. وذلك من خلال إشاعة الشائعات الكاذبة بغية تفكيك بيئة المجتمع الذي تستهدفه الشائعة بنارها وسمومها الملهكة، لتضرب وحدته ونسيجه الاجتماعيّ.
3- الشائعات السياسيّة:
تتمثّل بنشر معلومات سياسيّة كاذبة, تهدف إلى زعزعة الحكم وإحداث خلل في المنظومة السياسيّة للمجتمع ومن دوافعها الانتقام، وتصفية الحساب مع أشخاص معنيين، وإزالة الثقة العامّة بالشخصيات السياسية الكبيرة, وحرف الرأي العام عن القضايا الجوهرية. ومهما اختلفت الدوافع في بثّ هذه الشائعات الكاذبة فالنتيجة النهائية هي تدمير المجتمعات.
4- الشائعات الأمنية والعسكرية:
إنّ اختلاق ونشر هذا النوع من الشائعات يودّي إلى سيطرة القلق والاضطراب والإخلال بالأمن وانعدام الثقة، وهذه من أهمّ ما ترمي إليه الحرب النفسيّة للأعداء بغية إثارة البلبلة ونشر الفزع، ليتسنّى لهم التّغلّب العسكريّ والسياسيّ لاحقاً. فعندما يعجز العدوّ عن إلحاق الضرر بصورة مباشرة، يقوم بنشر الشائعات، لبثّ الرعب والقلق في الناس، ليشغلهم بأنفسهم، وليحرفهم عن أهمّ قضاياهم حساسية، وليتسنّى له التمكّن منهم في كلّ مجال.
5- الشائعات المتعلّقة بالأعراض:
وهي الشائعات الأكثر خطورة على المجتمع لأنّها تمسُّ أعراض المؤمنين, ويؤدّي نشرها إلى هتك كرامة الانسان والانتقاص منها والإساءة إلى سمعته بين أبناء مجتمعه, وفي بعض الأحيان قد تتسبّب هذه الشائعات بقتل نفسٍ بغير ذنب.
وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن الخوض في الأعراض, بل نهت عن إشاعة الفاحشة حتّى مع وقوعها وتوعّدت بالعذاب الأليم لمرتكبي هذا الذنب. وقد جاء في حديث الاحد الأءمه : "يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قسّامة، وقال لك قول فصدقه وكذبهم، ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته، فتكون من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾7"8.
آثار الشائعات على الفرد والمجتمع
إنّ كثيراً من الأحداث المؤلمة والصراعات المدمّرة التي تقع في عالمنا المعاصر، وما وقع في التاريخ الإسلامي من قتل وسفك دماء ونهب وتدمير، كان قسم مهم منه بسبب الإشاعات والأكاذيب التي كان يروّجها العملاء والمندسّون والمنافقون في المجتمع الإيمانيّ، بُغية تفكيكه وهدم عُراه وتقويض أركانه.
لذا وجب الحذر لأنّنا نعيش في مجتمع اختلطت فيه الموازين، ويصعب فيه التميز بين الحقّ والباطل، فقد ننخدع ببريق بعض الشخصيات ونأخذ بكلامه ونبني عليه تصرّفات ومواقف معينة ثمّ يتبيّن لنا الخلل الكبير الذي وقعنا فيه بسبب هذا الإنسان أو المحطة الإعلامية الفلانية، لأنّه كان ظاهره وديعاً ولكن حقيقته كانت تخبئ إنسانا كالثعلب في روغانه، والعقرب في لدغاتها. لذا المطلوب دائما التثبّت ثم التثبّت ثمّ التثبّت...
فالشائعة التي هي الأقوال والأخبار التي يَتناقلُها الناس، والقَصص التي يَروونها، دون التثبُّت مِن صحَّتها، أو التحقُّق مِن صِدقِها، يمكن أن يكون منشأها شخص، أو جريدة، أو مَجلَّة، أو إذاعة، أو تلفاز، أو رسالة خطِّية، أو شَريط مُسجَّل وغيرها، وغالباً ما تكون لها آثار مؤذية وأضرار سلبية، فهي تؤثّر مباشرة على سَعادة الفرد والأسرة والمجتمع وعلى أمنِها النفسيّ. فكم من أسر تفكَّكتْ مِن جرَّاء هذه الإشاعات، وكم مِن بيوت هدِّمت، وكم من أموال ضيِّعت، وأطفال شُرِّدت، كلّ ذلك بسبب شائعة مغرضة من مُنافقٍ أو كذَّاب.
وقد بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أسس ومعاييرَ إقامة المجتمع. ومِن أهمّ هذه الأُسس والمعايير أن تَسُود روح الحبِّ والأُخوَّة والسلام بين أفراد المجتمَع الواحد، فـ "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ هُوَ عَيْنُهُ وَمِرْآتُهُ وَدَلِيلُهُ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَخْدَعُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَغْتَابُهُ"9 كما قال الإمام الصادق عليه السلام، و"المؤمن للمؤمن كالبُنيان، يشدُّ بعضه بعضًا"10. هذه هي الروح التي أراد الله تعالى أن يبثَّها بين أبناء الأمة ويحثّ على اتّباعها. أمّا أن تتأسّس العلاقات بين الأفراد على الفُرقة والتنازُع والاختِلاف والإفساد بين الناس، فهذا ما حاربه الإسلام. والإشاعة سبب رئيس لبثِّ هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الإسلام. وقد حدّد الله تعالى في القرآن الكريم منظومة ردعية متكاملة لمحاربة الشائعات تبدأ بالتربية النفسية للأفراد، إلى العلاجات الوقائية والردعية في مواجهة هذه الأخبار كما سنبين.
منهجية القرآن في التعاطي مع الشائعات
يقول الله تعالى في كتابه الكريم مبيناً خطورة الشائعة: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾11.