أمريكا تغرق في بحار اليمن .. «تداعيات وخسائر»
لم تواجه الولايات المتحدة الأمريكية ضيقا في الخيارات العسكرية كما هو الحال في معركتها الداعمة لإسرائيل ضد اليمن،
ذلك أن الواقع تغير عكس الإرادة الأمريكية لدرجة أن واشنطن باتت تخوض هذه الحرب باعتبارها كما يصفها الكاتب الأمريكي القريب من بايدن توماس فريدمان، حرب ظل ولا تريد الاعتراف بكونها حرب علنية.
يعيد خصوم بايدن الفشل الأمريكي في ردع القوات المسلحة اليمنية عن هجماتها المساندة لفلسطين إلى فشل في استراتيجية الإدارة الأمريكية ويلقون باللوم عليه لكونه أزال حركة أنصار الله من لائحة الإرهاب، لكن هذا الحكم لا يتجاوز المناكفات السياسية على مشارف انتخابات 2024م، ويتجاوز بالمقابل حدود وظروف القوة الأمريكية والتغييرات التي طرأت في المنطقة والعالم، كما يتجاوز عاملا أساسيا ومهما يتعلق بعقيدة الخصم الذي تواجهه الولايات المتحدة.
إحاطة عن المخزون الأمريكي..
يتحدث الأمريكيون اليوم عن حرب غير متكافئة على الرغم من أن الولايات المتحدة تمثل فيها الطرف الأقوى من حيث السلاح إلا أنها تمثل الطرف الأكثر عرضة للاستهداف والاستنزاف، فخصومها الذين يمتلكون أسلحة منخفضة التكلفة قادرون على إيذاءها وإيلامها، بينما تكون تكلفة الدفاع لديها أكبر، في ظل تراجع مخزونها الدفاعي الذي تم استنزافه في أوكرانيا ومؤخرا في الحرب على غزة حتى بات مسؤولو البنتاغون يقرعون أجراس الخطر بشأن عدم وجود ما يكفي لخوض أي مواجهة محتملة مع الصين، فبحسب التقارير فإن ما تطلقه أوكرانيا من قذائف أمريكية تفوق حجم الإنتاج الأمريكي بثلاثة أضعاف، أما إسرائيل فاستخدمت في 6 أيام ما يفوق مشتريات البنتاغون من القذائف خلال عام 2023م.
هذا الاستنزاف للمخزونات الأمريكية والنفقات الدفاعية للولايات المتحدة جعل خسائرها في العدوان على اليمن تحت التركيز..
صواريخ توماهوك،
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية العدوان على اليمن في الثاني عشر من يناير وقد تم تنفيذ العملية الأولى بحسب بيان القيادة المركزية الأمريكية بأكثر من 80 صاروخ توماهوك، وهذا العدد من الصواريخ يساوي أكثر من نصف الإنتاج السنوي لصواريخ توماهوك في الولايات المتحدة، ومع تقدير عدد الصواريخ التي تم استخدامها في ضربات تالية منها ضربة في ذات اليوم قالت إنها عملية متابعة للعملية الأولى، وعملية أخرى في 3 فبراير وصفتها الولايات المتحدة بالواسعة لضرب 36 هدفا، وقال مسؤولون أمريكيون إن من ضمن الأسلحة المستخدمة صواريخ توماهوك .
وتخلص أقل التقديرات إلى أن عدد صواريخ توماهوك المستخدمة تصل إلى 100 صاروخ، ما يعني أن الولايات المتحدة استخدمت في 3 عمليات فقط 8 % من إجمالي صواريخها التي تم شراءها خلال العقد الماضي والتي تبلغ 1234 صاروخ، و74 % مما تم شراءه خلال آخر عامين.(55 صاروخ في 2023، و70 صاروخ في 2022م).
تصل تكلفة كل صاروخ توماهوك إلى 2 مليون دولار، ما يعني أن تكلفة إطلاق هذه الصواريخ في العمليات الثلاث تقترب من 200 مليون دولار.
يضاف إلى هذه عمليات إطلاق صواريخ توماهوك عمليات الطائرات في عمليات العدوان على اليمن والتي تستخدم صواريخ متنوعة من بينها صواريخ SLAM-ER التي تستخدم لاستهداف الصواريخ المعدة للإطلاق على الأرض وتصل قيمتها إلى 3 مليون دولار لكل صاروخ، وصواريخ AGM-88 HARM المضادة للإشعاعات الرادراية والتي تصل قيمة الواحد منها إلى 870 ألف دولار.
تكلفة الدفاع في البحر
تتحدث التقارير الأمريكية أن أول عملية اعتراض لصواريخ وطائرات مسيرة بدأت في 19 أكتوبر حيث قامت السفينة يو إس إس كارني بإسقاط 4 صواريخ مجنحة و15 طائرة مسيرة وفقا لمسؤولين أمريكيين نقلت عنهم شبكة سي إن إن ،
وقد كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية عقب ذلك أن الولايات المتحدة تستخدم صواريخ قيمة الواحد منها 2 مليون دولار لإسقاط طائرة مسيرة قيمتها 2000 دولار، أما الصواريخ الباليستية فقال قائد القيادة المركزية الأمريكية إيريك كوريلا إنه لا يوجد أي منظومة دفاعية لإسقاطها سوى sm-6 وتكلفة الصاروخ الواحد في هذه المنظومة تصل إلى 4.3 مليون دولار بحسب موقع تحالف الدفاع الصاروخي.
وأكدت شبكة سي بي إس التي بثت تقارير من على متن حاملة الطائرات المتمركزة في البحر الأحمر يو اس اس ايزنهاور وأجرت مقابلات مع القادة الرئيسيين للأسطول الأمريكي الخامس والقيادة الوسطى الأمريكية أن تكلفة بعض الصواريخ الدفاعية الأمريكية قد تصل إلى 4 ملايين دولار، وأنه حتى الأول من فبراير تم إطلاق أكثر من 100 صاروخ دفاعي، ومنذ ذلك الحين أعلنت القيادة الوسطى الأمريكية عن اعتراض نحو 70 صاروخ وطائرة مسيرة وزورق وغواصة أحادية الاتجاه، وقد أعلنت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين عن مئات العمليات. والأرقام المعلنة لا تمثل الرقم النهائي الدقيق حيث لا تحدد الولايات المتحدة في الغالب عدد الهجمات .
تكاليف تشغيلية
قدر البنتاغون أن تكلفة دعم العمليات غير المخطط لها في الشرق الأوسط والمرتبطة بفترة الـ 120 يومًا بين أكتوبر ويناير وصلت إلى 1.6 مليار دولار: 29.2 مليون دولار في تكاليف الأفراد العسكريين؛ 708.6 مليون دولار في العمليات والصيانة؛ 528.4 مليون دولار في مجال المشتريات؛ 51.9 مليون دولار في البحث والتطوير والاختبار والتقييم؛ و248.5 مليون دولار للنقل، تم سحبها من صندوق رأس المال العامل التابع لوزارة النقل.
وقال مسؤولون إن هذه التكلفة تخص إرسال سفن حربية وطائرات مقاتلة ومعدات إضافية إلى المنطقة والاحتفاظ بها هناك خلال الأشهر الأربعة الماضية. منوهين إلى أن ذلك لا يشمل تكلفة الصواريخ التي أطلقها الجيش الأمريكي لضرب اليمن أو إسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ في البحر الأحمر، لأنه لا توجد بيانات كافية حتى الآن لإجراء هذه الحسابات.
وقد سئل قائد القيادة المركزية الأمريكية إيريك كوريلا في جلسة استماع بشأن الموازنة الدفاعية عن ما إذا كان هناك تقدير أولي للخسائر في عمليات البحر الأحمر فأجاب بالنفي، وفي رد على سؤال حول استهلاك أسلحة من المفترض أن تدخر لأي مواجهة مع الصين قال كوريلا إنه لا بد من زيادة إنتاج الأنظمة الدفاعية وأنه في الوقت الحالي لكي يحافظ على السفن والبحارة ليس هناك سوى شيء واحد لإسقاط الصواريخ الباليستية وهو صاروخ SM-6.
ورفض كوريلا تقديم قائمة بالذخائر المستخدمة في البحر الأحمر بشكل علني جنود مرهقون وقطع حربية تحتاج إلى صيانة مضاعفة تتحدث التقارير الأمريكية أن الجنود والسفن تعمل بجهد أكبر من اللازم ومؤخرا بسبب الطلب المستمر يتم تمديد نشر حاملات الطائرات لثلاث فترات دون فترة صيانة وهو ما يتسبب بعواقب على قدرات القطع البحرية الأمريكية ويجعلها تخضع لفترة صيانة مضاعفة، على سبيل المثال استغرقت فترة الصيانة لحاملة الطائرات يو إس إس دوايت 14 شهرا بعد نشرها مرتين متتاليتين دون فترة صيانة.
يتحدث تقرير في مجلة التايم الأمريكية أن البحارة الأمريكيين سينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا بحارة بالاسم فقط حيث تضعف كفاءاتهم البحرية وعقليتهم بسبب الخدمة المطولة على الشاطئ.
وفي البحر الأحمر تحدث قائد حاملة الطائرات آيزنهاور في منتصف فبراير الماضي أن وتيرة القتال الثابتة في البحر الأحمر مع عدم وجود أيام عطلة مع زيارة الميناء، تؤثر سلبا على البحارة ، وهو ما تحدث به جنود من البحرية لصحيفة واشنطن بوست ويفسر هذا الحديث سحب الولايات المتحدة للوحدة 26 من مشاة البحرية والتي يبلغ عدد عناصرها 4000 جندي كان قد تم نشرهم في المنطقة قبل طوفان الأقصى ومع بدء العمليات اليمنية تم تمديد تواجدهم قبل أن يتم سحبهم اضطرارا، علما أنه لا يوجد خطط لاستبدالهم بسبب النقص المستمر في السفن البرمائية المتاحة التي تشرف عليها البحرية
خصوم واسعو الحيلة
في ظل هذه المعركة تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن المخاطرة عالية، نقلت شبكة سي إن إن عن مسؤولين أمريكيين أن اليمن يواصل مفاجأة القوات الأمريكية، وليس لدى الأخيرة فكرة عما لا يزال لدى اليمنيين، كذلك قال القائد مجموعة في قوات البحرية في البحر الأحمر ” إن الحوثيين أثبتوا أنهم خصوم واسعو الحيلة”.
وتحدث براد كوبر أن الصاروخ اليمني لا يستغرق سوى ثوان للوصول إلى هدفه وهو ما يفاقم الخطر.
وتكرر القيادات العسكرية الأمريكية الاعتراف بصعوبة المعركة ووصفها بكونها غير مسبوقة ولا هوادة فيها، وبينما كان كوبر قد وصف استخدام اليمن للصواريخ الباليستية في استهداف السفن بالسابقة من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية،قال الكابتن ديف ورو، الذي يقود المدمرات الأربع التابعة للبحرية الأمريكية والتي توفر حماية إضافية لحاملة الطائرات إن اليمن شكل التحدي الأكبر للبحرية الأمريكية في التاريخ الحديث.
مشيرا إلى أن عدد الصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلق على البحرية الأمريكية هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وقد كانت الحرب العالمية الثانية هي المرة الأخيرة التي تعمل فيها الولايات المتحدة في منطقة يمكن أن تتعرض لإطلاق النار عليها كل يوم. في ذات السياق تحدث ضابط طيران عمل في البحرية الأمريكية لأكثر من 30 عامًا، قائلا إن ما قام به من طلعات جوية هو الأكبر خلال فترة عمله اعتراف بالفشل وتخبط في الخيارات يعترف المسؤولون الأمريكيون أن الهدف المرجو من العدوان على اليمن لم يتحقق، وأن العمليات اليمنية مستمرة ولم تفلح أي من الإجراءات في ردعها، بما في ذلك تصنيف أنصار الله في ما يسمى بلائحة الإرهاب الأمريكية.
ويظهر اليأس في تصريحات القيادات العسكرية الأمريكية بشكل غير مسبوق، ففي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطاني بي بي سي سئٌل قائد حاملة الطائرات آيزنهاور عما إذا كان من الممكن تحقيق الهدف الأمريكي بإيقاف جميع العمليات اليمنية، فأجاب أنه من الصعب قول أن ذلك ممكنا، و “من الصعب تحديد الفوز والخسارة في هذا النوع من الصراع”