صحيفة واشنطن بوست : «الحوثيون» يفرضون تكاليف تستنزف واشنطن لإجبارها على التراجع أو تغيير سياستها


صحيفة واشنطن بوست : «الحوثيون» يفرضون تكاليف تستنزف واشنطن لإجبارها على التراجع أو تغيير سياستها


أكد تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية ظهور علامات الضغط على وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بفعل الصراع المفتوح في الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار القلق بشأن قدرة الجيش الأمريكي على موازنة التهديدات الوشيكة للمصالح الأمريكية هناك مع الأهداف الأطول أمداً، في حين تختبر روسيا والصين واشنطن في أماكن أخرى من العالم.
وقال التقرير إنه جرى التأكيد على علامات التوتر في الأيام الأخيرة من خلال قرار سحب حاملة الطائرات الأمريكية الوحيدة في المنطقة، «يو إس إس أبراهام لينكولن»، التي يبرر مسؤولون دفاعيون وجودها المهيب بالمساعدة في احتواء العنف المستمر بين «إسرائيل» وإيران وشبكتها من الوكلاء المسلحين جيداً.
وأضاف أن إدارة بايدن احتفظت بحاملة طائرات واحدة على الأقل، وأحيانا اثنتين، في الشرق الأوسط، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في صراع متعدد الأوجه لا نهاية له في الأفق. عندما تغادر حاملة الطائرات «لينكولن» في الأيام المقبلة، ستعتمد وزارة الدفاع بدلاً من ذلك على مزيج من القوات الأخرى، بما في ذلك المدمرات البحرية وقاذفات (بي- 52) والطائرات المقاتلة البرية، لدعم مهمتها الرادعة الواسعة النطاق، والتي قد تكون قابلة للاشتعال، والتي تمتد من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج وطرق الشحن المتقلبة الأخرى حول شبه الجزيرة العربية.
وتأتي هذه التغييرات، وفقا للتقرير، في الوقت الذي يعاني فيه البنتاغون أيضاً من نقص الذخائر الرئيسية التي استخدمها لصد هجمات الحوثيين في اليمن، الذين شنوا حملة استمرت شهوراً استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومساعدة أوكرانيا على مقاومة التوغل الروسي المستمر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
كما اعترف المسؤولون العسكريون الأمريكيون بأنهم يكافحون لتوزيع أنظمة الدفاع الجوي الكافية لحماية الأصول والحلفاء في أوروبا الشرقية، إلى جانب تلك الموجودة في الشرق الأوسط. ويحذر المحللون من أن الضغط قد يعيق قدرة واشنطن على الدفاع عن تايوان في حالة حدوث غزو صيني.
وبحسب التقرير، فقد كان من المقرر نشر «لينكولن» وعشرات الطائرات المقاتلة التي تعمل من سطح الطيران الخاص بها، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كجزء من استراتيجية البنتاغون التي تهدف إلى إظهار القوة في منطقة حيث كان على الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة التعامل مع الصين التوسعية وكوريا الشمالية التي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير.
وفي آب/ أغسطس، وبعد أن بلغت التوترات بين «إسرائيل» وإيران ذروتها مع اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، صدرت أوامر بنقل حاملة الطائرات من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، ثم تم تمديد نشرها في وقت لاحق بينما كان كبار المسؤولين يقيّمون المخاطر المحتملة المترتبة على اتخاذ مثل هذا التحول الكبير.
وظلت المعضلة قائمة لأسابيع، حيث كان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، والجنرال تشارلز براون الابن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، يزنان خيارات مختلفة مع مراعاة المطالب المتزايدة التي فرضها الصراع في الشرق الأوسط على الأفراد والمعدات الأمريكية، وقدرة واشنطن على معالجة الأهداف الجيوستراتيجية الملحة الأخرى.
وقال براون، في مقابلة أجريت معه مؤخرا، إن البنتاغون يجب أن «يتراجع ويلقي نظرة» على مجمل ما يُطلب من الجيش، «ليس فقط في الشرق الأوسط؛ ولكن في جميع أنحاء العالم حقاً».
ولفت التقرير إلى أن توصيات رئيس هيئة الأركان العامة بشأن وضع القوة تذهب إلى أوستن، الذي يتخذ في نهاية المطاف القرارات الجسيمة التي قد تخلق تعقيدات طويلة الأجل للبنتاغون. وقال مسؤول دفاعي كبير مطلع على هذا التفكير، والذي تحدث مثل بعض الآخرين بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة التحركات العسكرية الحساسة، إن هذه الاعتبارات تتطلب «مقايضات جد حقيقية».
وأضاف المسؤول: «لا أعتقد أن هناك أي قرارات سهلة».
وذكر التقرير أنه عندما بدأت حرب غزة، تحرك البنتاغون بسرعة لتعزيز وجوده في الشرق الأوسط، ونقل عشرات الآلاف من القوات، وأعاد تنظيم الدفاعات ونشر العشرات من الطائرات الهجومية لتكملة دفاعات القبة الحديدية الجوية «الإسرائيلية»، مرسلاً رسالة ردع لإيران ووكلائها. لقد أثرت الأزمة المستمرة على البحرية أكثر من أي خدمة أخرى.
في الأيام التي أعقبت بدء الحرب، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن نشر حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد» والسفن المرافقة لها سيتم تمديده للمساعدة في حماية «الدولة اليهودية»، مع إرسال حاملة طائرات أخرى، «يو إس إس دوايت دي آيزنهاور»، إلى المنطقة. كما نفذت مجموعة «آيزنهاور» الضاربة مهمة ممتدة من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 حتى حزيران/ يونيو الماضي. وفي ذلك الوقت، أطلق أفراد أمريكيون مئات الأسلحة بتكلفة إجمالية تزيد عن مليار دولار، وفقا لبيانات البحرية.

ثم استبدلت بـ»آيزنهاور» في الشرق الأوسط حاملة الطائرات «يو إس إس ثيودور روزفلت»، وأمر أوستن «لينكولن» بالانضمام إليها بعد أن أثار اغتيال هنية تهديدات إيرانية بالانتقام.
في أواخر أيلول/ سبتمبر، عندما أثار اغتيال «إسرائيل» لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، في لبنان، تصريحات إضافية من طهران، مدّد أوستن مهمة «لينكولن». وقال مسؤولون دفاعيون أمريكيون إن الأيام الأخيرة كانت في خليج عمان مع العديد من السفن المرافقة.
كما أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائرات أخرى، هي «يو إس إس هاري إس ترومان»، من فرجينيا، في أيلول/ سبتمبر، وفي الأيام الأخيرة كانت في بحر الشمال في مهمة مقررة إلى أوروبا، حيث قوبلت تصرفات روسيا في أوكرانيا وخارجها بالانزعاج. وقال المسؤولون إن «ترومان» يمكن تحويلها إلى الشرق الأوسط إذا لزم الأمر.
وذكر التقرير أن هناك مصدر قلق آخر، كما يقول المسؤولون، وهو مجموعة «واسب» البرمائية الجاهزة، وهي أسطول من ثلاث سفن تحمل مشاة البحرية والبحارة الأمريكيين وطائرات مختلفة كانت في شرق البحر الأبيض المتوسط منذ أواخر حزيران/ يونيو بسبب المخاوف من أن الإجلاء الأمريكي من لبنان قد يكون ضروريا. وتم نشر هذه السفن والأفراد منذ نيسان/ أبريل. وقال العديد من المسؤولين الدفاعيين المطلعين على الوضع إنه لا يوجد بديل مماثل جاهز للتدخل، بسبب كفاح البحرية الطويل الأمد للحفاظ على أسطولها المتواضع من هذه السفن.
ونقل التقرير عن جيمس فوغو الثالث، وهو أميرال بحري أمريكي متقاعد، قوله إن عمليات النشر الممتدة عززت الأمن في الشرق الأوسط؛ ولكنها ستؤدي إلى تأثيرات من الدرجة الثانية تشمل تأخير الصيانة، وتقلب جداول التدريب، ونقص الذخائر.
وأضاف فوغو: «شهران آخران (60 يوما إضافيا) من التآكل والتلف على السفينة، يعني أن المزيد من الأشياء تحتاج إلى إصلاح. من المهم جدا أن تكون قادرا على إصلاح السفينة... وإعادتها لتأخذ دورها».
وقالت الضابط الأعلى في البحرية، الأميرال ليزا فرانشيتي، في فعالية أقيمت مؤخرا في مركز «أتلانتك كاونسل»، إنها تركز على معالجة التحديات التي تسببت في التأخيرات عندما تتطلب السفن صيانة مكثفة بعد عمليات النشر. وقالت فرانشيتي إنها حددت «هدفا بعيد المنال» يتمثل في توفير 80٪ من سفن وطائرات البحرية لتكون متاحة للزيادة في حالة حدوث أزمة بحلول العام 2027. وقالت للصحفيين مؤخراً إن هذا الرقم كان 36٪ في العام 2022، وارتفع إلى 67٪ اعتبارا من حزيران/ يونيو.
في العام الماضي، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.7 مليار دولار على المساعدات العسكرية لـ«إسرائيل» والعمليات الأمريكية في المنطقة، وفقا لتحليل التكاليف الذي أجراه معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون. وقال مؤلفو التحليل إن هذا تقدير «متحفظ» لا يشمل المساعدات الأمنية الأمريكية الإضافية المقدمة لمصر والسعودية وشركاء الولايات المتحدة الآخرين.
تم إنفاق أكثر من 4.8 مليار دولار لتعزيز العمليات الهجومية والدفاعية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث وجد التحليل أن «البحرية الأمريكية كانت تعترض مسيّرات وصواريخ الحوثيين بشكل يومي تقريبا». يصف تقرير معهد واتسون العملية بأنها «الحملة العسكرية الأكثر استمرارا من قبل القوات الأمريكية» منذ ذروة حملة القصف الموسعة التي شنتها وزارة الدفاع ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
وقال ويليام هارتونغ، أحد المؤلفين المشاركين، في مقابلة، إن إحدى المشاكل الرئيسية هي «السياق الذي يحدث فيه هذا»، مشيرا إلى حرب أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط والحاجة إلى الاحتفاظ بالذخائر في متناول اليد لأي مواجهة مع الصين.
ووفقاً للتقرير، فقد ركزت التوترات المتزايدة مع الصين بشكل كبير على خططها لجزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تدعي الصين أنها جزء من أراضيها. لقد وسعت الصين بشكل كبير حجم جيشها ووجودها في بحر الصين الجنوبي في السنوات الأخيرة. وأشار الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى أن بكين قد تحاول في النهاية الاستيلاء عليها بالقوة. سعت الولايات المتحدة إلى مواجهة نفوذ الصين من خلال توسيع شبكات حلفائها وشركائها في المنطقة.
ونقل التقرير عن هارتونغ، المحلل في معهد كوينسي للحكم المسؤول، الذي يدعو إلى ضبط النفس عسكرياً، إنه بعد سنوات من العمليات في العراق وأفغانستان ودول أخرى، تحولت الولايات المتحدة من وجود قوات أمريكية على الأرض إلى استراتيجية تركز على تسليح الحلفاء والشركاء.
وأضاف هارتونغ مُلَمّحاً جزئياً إلى استنفاد المخزونات الأمريكية: «إن الأمر قد يؤدي إلى نتائج كارثية. إنه ليس بديلاً آمناً كما يكونون قد تصوروا ربما».

من جهته، قال فوغو، الأدميرال البحري المتقاعد، إن من الواضح أن إدارة بايدن سعت إلى زيادة إنتاج الذخائر الرئيسية. لكنه قال إن واشنطن لا تزال قادرة على فعل المزيد، بما في ذلك الاستفادة من قانون الإنتاج الدفاعي، وهو القانون الذي يمنح الرئيس سلطة السيطرة على المكونات الرئيسية للصناعة لتعزيز الدفاع الوطني.
وخلال مناقشة ندوة حديثة، قالت بيكا واسر، زميلة بارزة في برنامج الدفاع في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إنه يبدو أن الحوثيين يشنون «حملة فرض تكاليف» تهدف إلى استنزاف الولايات المتحدة لإجبارها على تغيير سياستها أو التراجع.
واستشهدت واسر، وفقاً للتقرير، بكثافة استخدام البحرية لصواريخ «توماهوك كروز» باهظة الثمن وصاروخ «ستاندرد ميسايل 2»، وهو صاروخ أرض-جو استخدمه البحارة لصد المُسيّرات والصواريخ القادمة في البحر الأحمر.
وأشارت إلى أنه إذا انتهى الأمر بالبحرية في أي صراع مع الصين، فمن المحتمل أن تحتاج الولايات المتحدة إلى الاعتماد على مثل هذه الأسلحة - والكثير منها. وقالت واسر: «معدل إطلاق النار مرتفع حقاً. إذا نظرت إلى معدل البناء، فليس هناك توازن».

 صحيفة «واشنطن بوست»
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا